22 يناير / كانون الثاني ... في مثل هذا اليوم من العام 1666م توفي الإمبراطور "شاه جهان" باني الضريح الشهير تاج محل ! بدأ فترة حكمه بأن قتل إخوته جميعاً خوفاً من أن ينقلب عليه منهم أحد ويسلبه الملك، وكانت عادة الانقلابات شائعة في الهند يومذاك ! وبالعودة إلى ضريح تاج محل، فالقصة بدأتْ عندما كان شاه جهان يتجول برفقة حاشيته فشاهد "أرجمان بانو بيجيم" ابنة أحد نبلاء فارس، وقع في حبها من أول نظرة، ثم تزوجها، ومنحها لقب تاج محل أي جوهرة القصر ! توفيت تاج محل وهي تضع مولودها الرابع عشر، فأصيب الإمبراطور بأزمة واعتزل الناس، ولم يخرج من عزلته إلا بعد عام على وفاة تاج محل، عندها قال في نفسه: "برهانبور" مكان لا يليق بدفنها، سأبني لها أجمل ضريح في العالم، فنقلها إلى تاج محل الذي يُعتبر من أعاجيب الدنيا السبع ! ولأن الجزاء من جنس العمل، ولأن شاه جهان بدأ فترة حكمه بقتل إخوته خوفاً من أن يستولي أحدهم على العرش، ثار عليه ابنه "اورنكزيب"، واعتقله، وسجنه في سجن أكرا وبقي هناك حتى مات ! ولتعرفوا الفرق بين الأب والابن، قال شاه جهان لجيشه عندما أراد مواجهة جيش ابنه : اسحقوا الجيش ولا تمسوا ابني بسوء ! قبل هذه القصة بألف سنة تقريباً، كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد تجاوز الستين من عمره عندما رأى نسوة قد شارفنَ على الثمانين فخلعَ رداءه وفرَشَه على الأرض ليجلسنَ عليه، وقال لمن حوله مبدداً دهشتهم : هؤلاء صويحبات خديجة ! الحُبُّ ليس أن تُحبها فقط وإنما أن تُحب كل شيء يتعلق بها ! تأتيه امرأةٌ فيكرمها، ويقول : كانتْ تأتينا زمن خديجة ! تأملوا كلمته : "زمن خديجة" كأنه يُؤرّخُ عمره بها !
ذاكرة من التاريخ
21 يناير / كانون الثاني في مثل هذا اليوم من العام 1189م بدأ الملكان الإنكليزي ريتشارد الأول، والفرنسي فيليب الثاني بحشد جيوشهما في إطار الحملة الصليبية الثالثة على بلاد المسلمين ! كان الهدف المعلن للحملة حماية نصارى الشرق من استبداد المسلمين، رغم أن نصارى الشرق لم تُهدم لهم كنيسة، ولم يُكسر لهم صليب في ظل أي دولة قامت في بلادنا، ولم تُقم لهم محاكم تفتيش لردهم عن دينهم كالتي أقامها الأوروبيون لمسلمي الأندلس في واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبت باسم الدين في تاريخ البشرية ! ولكن منذ فجر التاريخ اعتاد الساسة أن يُغلفوا حروبهم بالأفكار النبيلة ليُقنعوا الناس بخوضها، وكلما كان الهدف أكثر نبلاً كان الناس أكثر تقبلاً لخساراتهم فيها ! تذكرني الحملة الصليبية الثالثة بهدفها المعلن بحرب طروادة التي دارت رحاها بين طروادة وإسبارطة ! كانت الفاتنة هيلين هي الشرارة التي أوقدتْ نار تلك الحرب التي استعرتْ أعواماً! كانت هيلين متزوجة من شقيق ملك إسبارطة، وعشقتْ وهي تحته ابن ملك طروادة وهربتْ معه إلى مملكة أبيه ! فجمع الإسبارطيون جيشاً عرمرماً، وركبوا البحر إلى طروادة، وضربوا حولها حصاراً خانقاً! خرج الطرواديون ينظرون في مطالب الإسبارطيين علهم يتجنبون هذه الحرب، فاقترح عشيق هيلين أن يتبارز مع زوجها، فإن هزمه يرجع الإسبارطيون من حيث أتوا، وإن قُتل على يد زوجها يكون الزوج قد ثأر لشرفه ! لاقى هذا العرض استحسان زوج هيلين، إذ رأى في خصمه لقمة سائغة، فهو ليس من أهل الحرب كأخيه الأكبر هيكتور قائد جيش طروادة، وولي عهد المملكة، والذراع الأيمن لأبيه! ولكن ملك إسبارطة قال لأخيه : أوتحسبُ أني جهزتُ كل هذه الجيوش لأجل زوجتك الشبقة هيلين ؟ لقد أتيتُ لأجل طروادة يا عزيزي !
من ذاكرة التاريخ
20 يناير / كانون الثاني في مثل هذا اليوم من العام 820م توفي الإمام الشافعي، أو كما يطيبُ لي أن أسميه، أفقه الشُّعراء وأشعرُ الفقهاء ! كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس كما يقول تلميذه أحمد بن حنبل ! وُلد في غزة سنة 767م، قرشي هاشمي، اسمه محمد بن إدريس، توفي أبوه وهو صغير، فعادت به أمه إلى مكة عند أقاربه كي لا يضيع نسبه الشريف ! حفظ القرآن الكريم وهو في السابعة، والموطأ وهو في العاشرة، درس عند الإمام مالك في المدينة المنورة، وتعلم العربية من هُذيل، وفصاحتهم جليَّة في شِعره، ونثره، فقد تركَ وراءه شِعراً كثيراً في الحكمة يضاهي شعر المتنبي فيها ! بعيداً عن مذهبه الذي عليه ملايين المسلمين اليوم، أسأل الله أن يجعلَ الجميعَ في ميزانه، كان على المستوى الشخصي متواضعاً، دمث الأخلاق، يحب الناس ويحبونه، لم يتعصب لرأيه وفتواه على عظيم آرائه واجتهاداته، وكان يقول : إذا صحَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مذهبي ! ومن تواضعه على ثراه العلمي، كان يقول عن كتابه "الرسالة" الذي دوّن فيه أصول مذهبه : كلما قرأتُ الرسالة وقعتُ فيها على خطأ يأبى الله إلا أن تكون العصمة في كتابه ! أسَسَ الشافعي علم أصول الفقه، لهذا كان من الطبيعي أن يخالفه بعض معاصريه في بعض المسائل، وبعض تلامذته أيضاً !ولكنه كان يرى الاختلاف في الآراء رحمة، وأنه لا يفسد للود قضية ! يقول الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمته للإمام الشافعي على لسان تلميذه يونس بن عبد الأعلى : اختلفتُ مع الشافعي في مسألة، فقمتُ غاضباً وتركتُ حلقته وذهبتُ إلى بيتي، فلما أقبل الليل سمعتُ طرقاً على بابي فقلتُ : من بالباب فقال : محمد بن إدريس فتفكرتُ في كل محمد بن إدريس أعرفه، إلا الشافعي فلم يخطر ببالي أن يكون هو ! فلما فتحتُ الباب فوجئتُ به ! فقال لي : يا يونس تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة ؟ أما يستقيم أن نكون إخواناً ولو اختلفنا فيها ؟!
من ذاكرة التاريخ
18 يناير / كانون الثاني في مثل هذا اليوم من العام 1689م وُلد "شارل مونتيسكيو"، صاحب نظرية فصل السلطات الذي تعتمده أغلب دول العالم اليوم ! مونتيسكيو فرنسي الجنسية، اسمه الحقيقي "شارل لوي دي سيكوندا" ويُعتبر من أشهر فلاسفة السياسة على مر التاريخ، وكتابه روح القانون المؤلف من واحدٍ وثلاثين جزءاً يُعتبر من أهم مراجع القانون والسياسة ولا يجهله من طلاب السياسة والحقوق أحد، إنه عندهم بمثابة صحيح البخاري في كليات الشريعة، والتشبيه للإيضاح لا للمقارنة ! قسَّم مونتيسكيو السلطات ثلاثة أقسام : تشريعية، وتنفيذية، وقضائية، وأوصى بالفصل بينها في الدولة الواحدة إبعاداً للديكتاتورية، وهو المعمول به في تسعين بالمئة من دول العالم كما تقدم ! ولكن كما هي العادة دوماً، فإن الإسلام يسبقُ الجميع، فالإسلام هو أول من فصل السلطات عن بعضها، فحتى الخليفة زمن الخلفاء الراشدين كان له سلطة تعيين القضاة، وليس له سلطة التدخل في أحكامهم ولو طالته شخصياً ! وكي لا يكون الكلام رجماً بالغيب، أورد لكم هذه القصة ! تنازع علي بن أبي طالب رضي الله عنه زمن خلافته مع يهودي على درع كان قد سقط منه في معركة صفين، فبينما هو يمشي في سوق الكوفة يمرُّ أمامه يهودي يعرضُ درعاً للبيع فقال أمير المؤمنين لليهودي : هذا درعي فقال اليهودي : بل هو درعي وأمامك القاضي فاحتكما إلى القاضي شُريح الذي قال لعلي : يا أمير المؤمنين هل من بينة فقال : نعم، الحسن ابني يشهد أن الدرع درعي فقال شريح : شهادة الابن لأبيه لا تجوز قال علي : سبحان الله، رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته ؟! قال شريح : يا أمير المؤمنين هذا في الآخرة، أما في الدنيا فلا تجوز شهادة الابن لأبيه، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فقال علي لشريح : صدقتَ فقضى شريح أن الدرع لليهودي لغياب بينة الخليفة ! يمضي اليهودي وهو يحدث نفسه : أقف إلى جوار أمير المؤمنين ويقضي القاضي المسلم لي عليه، أي دين هذا ! فيرجع ويعتنق الإسلام، ويقول لعلي : والله هو درعك فقال له علي : أما قد أسلمت فالدرع هدية مني لك !
من ذاكرة التاريخ
كان بقاء مملكة غرناطة الإسلامية في الأندلس قرنين من الزمان معجزة من معجزات الإسلام. فهذه الجزيرة الإسلامية العائمة فوق بحر الصليبية المتلاطم الأمواج والطافح بالحقد والمكر التاريخيين .. هذه الجزيرة ما كان لها أن تصمد صمودها المشهور إلا لأن طبيعة الصمود كامنة في العقيدة والمبادئ الإسلامية . وبدون العقيدة الإسلامية .. ما كان لهذه الجزيرة أن تصمد وحدها في الأندلس بعد أن سقطت كل المدن والقلاع الإسلامية منذ قرنين من الزمان . كان قانون " الاستجابة للتحدي " هو الذي أبقى غرناطة حية زاخرة بالفكر الإسلامي والرقي الحضاري هذين القرنين .. وكان شعور الغرناطيين بأنهم أمام عدو محيط بهم من كل جانب ، ينتظر الفرصة لالتهامهم ، وبأنه لا أمل لهم في استيراد النصر من العالم الإسلامي ، وبأنه لا بد لهم من الاعتماد على أنفسهم .. كان هذا الشعور باعثهم الأكبر على الاستعداد الدائم .؟ ورفع راية الجهاد والتمسك بإسلامهم . وبهذا نجحت غرناطة في أن تظل إلى سنة 1492م ( 897 هـ) سيدة الأندلس الإسلامي ومنارة العلوم وشعلة الحضارة الإسلامية الباقية في أوربا . لكن الأعوام القريبة من عام السقوط شهدت تطورا في الحياة الأندلسية .. فعلى المستوى النصراني بدأ " اتحاد " كبير يضم أكبر مملكتين مسيحيتين مناوئتين للإسلام .. وهما مملكتا أرجوان وقشتالة ، وقد اندمج الاثنان في اتحاد توجاه بزواج " إيزابيلا " ملكة قشتالة من " فرناند " ملك أرجوان .. وكان الحلم الذي يراود الزوجين الملكين الكاثوليكيين ليلة زفافهما هو دخول غرناطة .. وقضاء شهر عسلهما في الحمراء ، ورفع الصليب فوق برج الحراسة في غرناطة - أكبر أبراجها - وعلى المستوى الإسلامي .. كان " خلاف " كبير قد دب داخل مملكة غرناطة ولا سيما بين أبناء الأسرة الحاكمة ، وتم تقسيم مملكة غرناطة المحدودة قسمين ، يهدد كل قسم منهما الآخر ويقف له بالمرصاد .. قسم في العاصمة الكبيرة ( غرناطة ) يحكمه أبو عبد الله محمد علي أبو الحسن النصري ( آخر ملوك غرناطة ) وقسم في ( وادي آش ) وأعمالها يحكمه عمه أبو عبد الله محمد المعروف بالزغل . وقد بدأ الملكان الكوثوليكيان هجومهما على ( وادي آش ) سنة 894 هـ ، ونجحا في الاستيلاء على وادي آش وألمرية وبسطة .. وغيرها ، بحيث أصبحا على مشارف مدينة غرناطة . وقد أرسلا إلى السلطان أبي عبد الله النصري يطلبان منه تسليم مدينة الحمراء الزاهرة ، وأن يبقى هو حيا في غرناطة تحت حمايتها .. وكما هي العادة في الملوك الذين يركبهم التاريخ وهو يدور إحدى دوراته ، كان هذا الملك ضعيفا .. لم يحسب حسابا لذلك اليوم .. ولقد عرف أن هذا الطلب إنما يعني الاستسلام بالنسبة لآخر ممالك الإسلام في الأندلس فرفض الطلب ودارت الحرب بين المسلمين والنصارى واستمرت عامين .. يقودها ويشعل الحمية في نفوس المقاتلين فيها فارس إسلامي من هؤلاء الذين يظهرون كلمعة الشمس قبل الغروب " موسى بن أبي الغسان " . وبفضل هذا الفارس وأمثاله وقفت غرناطة في وجه الملكين الكاثوليكيين عامين وتحملت حصارهما سبعة أشهر .. لكن مع ذلك .. لم يكن ثمة شك في نهاية الصراع .. فأبو عبد الله الذي لم يحفظ ملكه حفظ الرجال . والانقسام العائلي والخلاف الداخلي في المملكة في مقابل اتحاد تام في الجبهة المسيحية .. مضافا إلى ذلك حصاد تاريخ طويل من الضياع والقومية الجاهلية والصراع بعيدا عن الإسلام .. عاشته غرناطة وورثته مما ورثته عن الممالك الإسلامية الإسبانية الساقطة . كل هذه العوامل قد عملت على إطفاء آخر شمعة إسلامية في الأندلس . وعندما كان أبو عبد الله ( آخر ملوك غرناطة هذا ) يركب سفينته مقلعا عن غرناطة الإسلامية ، مودعا آخر أرض تنفست في مناخ إسلامي في أوروبا بعد ثمانية قرون عاشتها في ظلال الإسلام ... في هذا الموقف الدرامي العنيف .. بكى أبو عبد الله ملكه " وملك الإسلام المضاع، وتلقى من أمه الكلمات التي حفظها التاريخ ( ابك مثل النساء ملكا لم تحفظه حفظ الرجال ) . والحق أن أمه بكلمتها تلك ، إنما كانت تلطمه وتلطم حكاما في الإسلام كثيرين .. بكوا مثل النساء ملكا لم يحفظوه حفظ الرجال !!!
من ذاكرة التاريخ